Saturday 2 March 2013


هذه إحدى الصور المشاركة في المسابقة الأوروبية لأفضل مصور للطبيعة، أطرحها في هذا البوست لأن صراع الحيوانات (الغير مكلفة، من المنظور الديني) ضد بعضها وضد قسوة الطبيعة لأجل البقاء، وظاهرة تواجد كائنات، كآكلة اللحوم، التي صُمّمت وبُرمجت خصيصاً لتُلحق أشد أنواع الألم والمعاناة بقنصها وتمزيقها وتعذيبها للحيوانات الأخرى كأسلوبها الوحيد لكي تشبع جوعها وتطعم صغارها، كان أحد أهم الأسباب التي دفعتني في السنوات المبكرة من تساؤلاتي حول حقيقة ربوبية الرسالة لإعادة النظر في الرؤية الثيوديسية التي ينتهجها الفلاسفة ورجال الدين في محاولاتهم البائسة لعقلنة وتبرير وجود الشر في الدنيا لكي يمكن تكييفه وإزالة تناقضه الصارخ مع الرحمة الربوبية المزعومة.
 
وقد امتنعت لعدة سنوات في ذلك الوقت، لعدم قدرتي على التحمل، من مشاهدة أفلام وبرامج الطبيعة التي تظهر فيها عملية قنص الحيوانات المفترسة للحيوانات الأخرى، وبالخصوص مناظر الضباع وهي تنهش في بدن فرائسها، لأن الضباع لاتقتل الفريسة فوراً، كما تفعل الأسود مثلاً، بل تلتهمها حية بدأً من الأعضاء اللينة منها، كبطنها وجهازها التناسلي. أو الأبشع، عندما تحاصر مجموعة من أيبس الشيمانزي قرود من فصيلة أخرى، ثم تختطف صغارها وتأكلها حية بنتفها قطعة قطعة. فتصورا درجة الآلام والقسوة التي تعانيها هذه الفرائس بشكل يومي متكرر امتد لملايين السنين.
 
إن كانت المعاناة هي اختبار للأنسان، فما هدف معاناة الحيوان الغير مكلف؟ لا توجد أجوبة دينية سوى الهروب إلى عتمة الحكمة الإلهية أو إلى تبريرات سخيفة سمجة لاتقنع العقل بل تهينه. ولم أتمكن من فهم هذه الظاهرة الطبيعية البشعة ضمن الرؤية اللاهوتية إلاّ من بعد التنحي عنها واطلاعي على مفهوم الإنتخاب الطبيعي لنظرية التطور. فهو الذي وفر الإجابة المسنودة التي يتقبلها العقل، وحتى لو اشمئزت منها النفس.
 
هذه الصورة المعبرة التقطها غريغوا بوغيرو في أحراش سيرانغتي في تنزانيا. يقول بوغيرو، أن التشيتا (الفهد) الأم قد اصطادت إحدى صغار الغزلان وأحضرته حياً إلى أطفالها لكي يلعبوا به قبل قتله. وهذا سلوك طبيعي تهدف الأم فيه لتعليم صغارها على القنص. وصادف أن المصور كان متواجداً في الجهة التي أنطلق نحوها الغزال هارباً، مما أعطى بوغيرو الفرصة لالتقاط هذه الصورة المعبرة.
 
أعتقد أن ملامح الذعر والهلع الواضحة على وجه الظبي الصغير، في الدقائق التي سبقت دخوله في معاناة قتله وتمزيقه إرباً، وهو من الحيوانات الثديية التي لاتختلف كثيراً عنا في تكوينة جهازها العصبي، وبالتالي في درجة شعورها بالخوف والآلام، تصرخ بعدم وجود تلك الرحمة المزعومة ... سواء كان هناك إله أو لا.