Monday 16 July 2012

تعريف الإنسان لاينحصر بالجسد فقط ككتلة مميزة الشكل مكونة من اللحم والعظم، بل لابد أن يشمل التعريف الوعي والإدراك. الإنسان هو كيان واعي، هو ذات مدركة تحس وتشعر وتتكلم وتضحك وتبكي وتحب وتكره وتفكر وتنتج وتتفاعل مع محيطها، يحتويها جسد، وينتج تلك الذات الواعية أحد أعضائها الداخلية، هو المخ، فهي نتاج ذلك العضو ... عندما كان حياً. 

إنما هذا الجسد الممدد بلا حراك الآن يخلو من تلك الذات الواعية، فالمخ قد توقف عن العمل ... نهائياً، ومع ذلك التوقف النهائي زال الوعي والإدراك، وانمحت العواطف والأحاسيس والأفكار والأحلام والتطلعات والذكريات، فالذات التي كوّنت ذلك الإنسان قد زالت بالموت وانتهت، ومع زوالها زالت من الجسد صفة الإنسان. ذلك الإنسان السابق هو اليوم إذاً مجرد كومة من الخلايا العضوية البائدة الممددة على الأرض، قد توقفت وظائفها وانتهت، وبدأت في التحلل والعودة إلى مركباتها الأساسية: العناصر الكونية الطبيعية.

لدي شعور قوي بأن الغالبية الكبرى من الناس لاتدرك المعنى الحقيقي لهذه الحتمية التي سوف ينتهي إليها مصيرنا كلنا، نحن وجميع أقاربنا وأصدقائنا وأحبابنا، ولاتستوعب أبعاد مايسبغه هذا الإدراك على أهمية هذه الحياة، لأن غالبية الناس قد تم تخدير تفكيرهم بغرس مفهوم وهمي في عقولهم، وهو كذبة وجود حياة بعد الموت.

وهذا للأسف الشديد، وأقولها بكل أسف وحسرة فعلاً، مجرد معتقد يخلو من أي دليل. هو حلم جميل متواصل ينتاب المؤمن في نومه ويقضته ويصيغ حياته ويسيرها. فلايوجد دليل طبي ولافسلجي ولاتشريحي ولاكوانتي ذري يشير إلى أي علامة تفيد بوجود أي نوع من الحياة تعقب موت الإنسان، أو موت أي كائن حي آخر. واكتشاف تطور الحياة وتأكيده أصبح حقيقة تعزز ذلك.

فالسند الوحيد إذاً لهذه الفكرة بأصولها وجذورها يرجع إلى تراث شعبي قديم، مجرد تراث إكتسب قدسية عبر العصور وتبلور في معتقدات أصبحت مخالفتها أو رفضها جريمة شنيعة لاتغتفر. هو سند هش متهافت تمتلأ نصوصه بالفقر المعرفي والأخطاء والتناقض.

فكرة وجود حياة بعد الموت هي أحد أسوء المفاهيم التي تزرعها الديانات في عقول أتباعها، لأنها تقنعهم وتشجعهم على تهميش حياتهم - الـوحـيـدة - في سبيل تحقيق هدف وهمي. فمن يعتقد بأن حياته هذه مجرد معبر إلى حياة خلود تخلو من المعاناة وتعج بالملذات، لن يعير وجوده في هذه الحياة الإهتمام الذي يستحقه، بل يستوجبه، كون وقته في هذه الحياة قصير وأوحد. وهذا الإهمال في معاملة شؤون الحياة بالجدية التي تستوجبها، والذي يصل إلى حد الإستخفاف عند بعض المتدينين، لاشك أنه سوف ينعكس على مستوى السعادة والبهجة والإنتاج الذي سوف يحصل عليه المؤمن منها، لنفسه ولمن حوله.

فعندما يتكلم الدين عن الفوز بالجنة وحياة الخلود بتبني مفاهيم وأفكار وأوهام وممارسة شعائر وطقوس، هذه كذبة سافرة وخطيرة، لأنها ستكون على حساب الفوز الحقيقي، وهو الفوز في هذه الدنيا ... الوحيدة، بالإنتفاع من فرصها والإستمتاع بخيراتها والمشاركة بأفراحها وملذاتها ... 

مع جميع البشر، بدون نبذ أو عداء أو إقصاء، لأي طائفة أو عرق أو جنس منهم.

No comments:

Post a Comment